من اسباب الطعن بالنقض فساد فى الاستدلال – قصور فى التسبيب
السبب الأول:
الفساد فى الأستدلال والقصور فى التسبيب وتناقض اسباب الحكم الطعين بعضها مع البعض
ذلك أن الحكم الطعين قد أقام عماد قضائه بإدانة الطاعنين على ما حصله من أقوال السيد / شريف فؤاد بسيونى – عضو هيئة الرقابة الأدارية بشان تحرياته و ما تم على يديه من اجراءات على النحو الذى اورده بمدونات قضائه ممثلاً فى الأتى
” فقد شهد شريف فؤاد بسيونى عضو هيئة الرقابة الأدارية أنه وردت إليه معلومات أكدتها تحرياته السرية تفيد قيام كلا من المتهمين لبنى أحمد رضا وعبداللطيف مدير الشئون القانونية بحى المعادى و احمد مصطفى الزيات مدير التنظيم بالحى و المهندسة حنان عبدالغنى الرفاعى و المهندس أيهاب شعبان المهندسين بالحى سالف الذكر بالحصول على مبالغ مالية من المواطنين المترددين على الحى مقابل أداء عمل من أعمال وظيفتهم أو الأخلال بواجبات وظيفتهم و أقتسام تلك المبالغ بينهم ……..”
كما أورد الحكم الطعين مؤدى تحصيله لواقعة الدعوى وفقاً للتصور الذى أستقر لديه على النحو التالى
” وحيث أن وقائع هذه الدعوى حسبما إستقرت فى يقين المحكمة وإطمأن إليها وجدانها مستخلصة من مطالعة الأوراق والتحقيقات التى أجريت وما دار بشأنها بجلسة المحكمة تتحصل فى أنه وردت معلومات لشريف فؤاد البسيونى عضو هيئة الرقابة الإدارية تفيد قيام كل من المتهمين / لبنى أحمد رضا محمد عبد اللطيف مدير إدارة الشئون القانونية بحى المعادى وطره , أحمد محمد مصطفى الزيات مدير التنظيم بحى المعادى وطره , حنان عبد الغنى محمد الرفاعى مهندسة التنظيم بحى المعادى وطره , إيهاب شعبان أحمد أحمد مرسى مهندس التنظيم بحى المعادى وطره – بالحصول على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من المواطنين المتعاملين مع حى المعادى نظير القيام بواجبات وظيفتهم أو الأخلال بها , وقد أكدت تحرياته أن المواطن أحمد أبو الوفا أحمد تقدم بطلب إستخراج ترخيص بناء وفعليه العقار الكائن 23 شارع 701 بالمعادى وأنه يجرى الأتفاق بينه وبينهم على تحديد مبلغ الرشوة مقابل إستخراج الترخيص وتحديد ميعاد ومكان إستلام المبلغ ”
وكان الحكم الطعين قد جعل من هذا التصور الذى اعتنقه بمدونات قضائه لواقعة الدعوى ولفحوى أقوال مجرى التحريات و القائم على كافة إجراءات القبض و التسجيلات للوقائع محل الأتهام هو الأساس الذى شيد عليه الحكم الطعين دعائم قضائه بإدانة الطاعنين عن تلك الوقائع و التصور النهائى الذى أعتنقه لمؤدى الجرائم المسندة إليهم دون ما سواه باعتباره الشاهد الوحيد على ما تم بمعرفته و على يديه من إجراءات بما يعيب الحكم الطعين من عدة أوجه تتمثل فى الأتى :
الوجه الاول
البين من مطالعة مدونات الحكم الطعين أنفة البيان كونها قد شايعت الشاهد شريف فؤاد بسيونى – عضو هيئة الرقابة الأدارية فيما سطره بمحضر تحريه من زعم بأن كافة المتهمين قد جمعهم مشروع اجرامى واحد تمثل فى قيامهم بالحصول على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من قبل المتعاملين مع الحى و أقتسام تلك المبالغ فيما بينهم مكونين بذلك تشكيلاً عصابياً قوامه الأتفاق الجنائى على أرتكاب تلك الجرائم موضوع الاتهام وفقاً للعبارة صريحة الدلالة التى قرر فيها الحكم الطعين بأن المتهمين الأربع الأولى و الثالث و الرابع و الخامس يقومون بأقتسام المبالغ الناشئة عن تلك الجرائم فيما بينهم .
بيد أن محكمة الموضوع لم تبين فى مدونات أسباب حكمها الأدلة على أن الطاعنين الثانى و الثالثه و الرابع و المتهمة الأولى قد جمعهم ثمة أتفاق جنائى على أرتكاب الوقائع محل الاتهام و أقتسام حصيلتها بينهم وهو قصور شاب أسباب الحكم يتنافى مع ما أوجبته المادة 310 إجراءات جنائية من ضرورة إشتمال كل حكم صادر بالإدانه على بيان مفصل واضح لكل دليل من أدلة الثبوت التى تتساند إليها المحكمة فى قضائها وذلك بالإفصاح عن مؤداه حتى يتضح وجه الإستدلال به وتتمكن محكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم .
ولهذا فقد كان على المحكمة أن تثبت فى مدونات حكمها الطعين كيف إستدلت على أن وجود هذا الإتفاق الذى يشمل الطاعنين على أرتكاب الجرائم موضوع الأتهام و اقتسام حصيلتها .
حال كون الإشتراك فى الجرائم وإن كان يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الإستدلال بها عليه إلا أنه على المحكمة أن تستظهر عناصر هذا الإشتراك وأن تتبين الأدلة الدالة عليه بياناً يوضحها ويكشف عنها وعن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها .
وقد قضت محكمة النقض بأنه:-
(( لما كان الحكم قد دان الطاعن بجريمة الأشتراك بطريق الأتفاق والمساعدة , فقد كان عليه أن يستظهر عناصر هذا الأشتراك وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها , وذلك من واقع الدعوى وظروفها , بيد أن ما أورده الحكم من مجرد ترك الطاعنمكاناً خالياً فى أصول إيصالات التوريد وإجرائه إضافه بخط يده بعد التوريد . لا يفيد فى ذاته الأتفاق كطريق من طرق الأشتراك , إذ يشترط فى ذلك أن تتحد النية على أرتكاب الفعل المتفق عليه , وهو مالم يدلل الحكم على توافره , كما لم يثبت فى حق الطاعنتوافر الأشتراك بأى طريق أخر حدده القانون . لما كان ما تقدم فأن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً يعيبه بما يستوجب نقضه )) .
( نقض 15/6/1983 – س 34 – 153 – 778 )
كما قضت محكمة النقض بأن:-
جواز إثبات الإشتراك بالقرائن , شرطه ورود القرينة على واقعة التحريض أو الإتفاق فى ذاته مع صحة الأستنتاج وسلامته , وقالت فى واحد من عيون أحكامها أن:
(( مناط جواز إثبات الأشتراك بطريق الأستنتاج إستناداً إلى قرائن أن تكون القرائن منصبه على واقعة التحريض أو الأتفاق فى ذاته وأن يكون إستخلاص الحكم الدليل المستمد منها سائغاً لا يتجافى مع المنطق أو القانون – فإذا كانت الأسباب التى أعتمد عليها الحكم فى إدانه المتهم والعناصر التى أستخلص منها وجود الإشتراك لا تؤدى إلى ما أنتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الإستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون )) .
( نقض 17/5/1960 – س 11 – 90 – 467 )
ولا يكفى فى هذا الصدد القول المجرد الذى ساقه الحكم المطعون فيه بأن المتهمين يقومون بأقتسام تلك المبالغ بالأستناد إلى أقوال مجرى التحريات بمفردها حال كونها لا تعبر سوى عن رأى قائلها حال خلو الاوراق مما يفيد وجود هذا الاتفاق بين الطاعنين .
لا يغنى البته عن ضرورة بيان المحكمة للأدلة التى أستخلصت منها المحكمة وجود هذا الأتفاق تعدد الوقائع محل الأتهام أو قيام بعض المتهمين بأقتسام مبالغ مالية فيما بينهم كدليل على ذلك إذ يلزم أن يجمع كافة المتهمين الأربع الذين أشار إليهم الحكم الطعين فى مدوناته أنفة البيان أتفاق قائم بينهم جميعاً على أرتكاب هذه الوقائع و أقتسام ناتجها من مبالغ مع علمهم بهذا
ولم تقدم المحكمة فى مدونات أسباب حكمها ما يدل على أن إرادة الطاعنين قد تلاقت على الاتفاق فيما بينهم على إرتكاب تلك الوقائع كما لم تفصح عن القرائن التى إستخلصت منها ذلك الإتفاق والأفعال المادية التى أستمدت منها أن إرادة الطاعنين تلاقت على التداخل فى الجرائم سالفة الذكر بحيث إستقر رأيهم على أنشاء التنظيم الإجرامى وتلاقت إرادتهم على أتخاذ الجريمة سبيلاً لتحقيق النتائج التى حدثت.
سيما وأن الثابت بالأوراق كون الجرائم محل الأتهام عن وقائع محتلفة و ليست مرتبطة بعضها مع بعض .
ومن هذا يتبين أن الحكم المطعون فيه قد قصر فى بيان العناصر التى إستخلصت منها المحكمة ثبوت وجود أتفاق جنائى يجمع الطاعنين على أرتكاب الجرائم المسندة إليهم , وإنما جاءت مدونات الحكم فى صيغة عامة مرسلة لا يمكن أن يستخلص منها على سبيل القطع والجزم وجود أتفاق يجمعهم بأعتبار أن المحكمة لم تقدم فى حكمها تلك المقدمات الدالة على ذلك وهو ما يعيبه بما يستوجب نقضه .
الوجه الثانى
على ما يبين من مطالعة مدونات الحكم الطعين أنه قد شابه التضارب والتناقض بين مدونات قضائه بعضها مع البعض و ما أنتهى إليه من قضاء حال كونه قد حصل مؤدى أقوال الشاهد شريف فؤاد بسيونى – عضو هيئة الرقابة الأدارية بشان تحرياته على نحو ينم عن وجود أتفاق جنائى يجمع بين الطاعنين و المتهمة الاولى على مقارفة الجرائم محل الأتهام جميعها و أقتسام عوائدها من مبالغ مالية ثم لا يلبث إلا قليلاً لينقلب على عقبيه متناقضاً مع هذا التصور ليفرد لكل متهم واقعة بعينها منسوبة إليه يعاقبه عنها دون باقى المتهمين نافياً هذا الأتفاق الذى تبدى للعيان من الوهلة الأولى فيما بينهم .
و غاية لقصد مما تقدم أننا لسنا ندرى اى التصورين قد اعتنقه واطمئن إليه الحكم الطعين بشأن الجرائم محل الأتهام و أشخاص مرتكبيها و ادوارهم ومن ثم فقد عجز الحكم الطعين عجزاً تاماً وواضحاً عن أيراد تصور محدد يكشف عن دور كل متهم فى الوقائع ومدى علمه بها فتارة يشير إلى علمهم جميعاً بالجرائم و أتفاقهم عليها و أقتسام مبالغها و تارة أخرى يؤكد أن تلك الجرائم المختلفة قد أرتكبت بمنأى عن بعضها البعض و أن الشركاء فى كل جريمة مختلفين بل ذهب الحكم الطعين فى معرض حديثه عن الجريمة المسندة إلى المتهمة الأولى بتقاضى مبلغ الرشوة محل الأتهام بواسطه المتهمة / سلوى عبدالسميع فكرى من الدكتور/ عامر السيد عامر بشان المصعد الخاص بالعقار رقم 9 شارع 106 بالمعادى ليقرر بان المبلغ قد سلم إلى المتهمة الاولى دون وجود أتفاق سابق بينهما بما يؤكد أن الواقعة لم يستقر لها تصور محدد فى عقيدته ووجدانه ومن ثم فأن هذا التضارب يؤكد أن الواقعة لم تستقر فى يقين المحكمة على نحو كاف ولم يطمئن إليها في وجدانها ولم تحدد تصوراً نهائياً لها تعلن رفع لواء التأييد له وأنما تضارب فى فهم الواقعة والمستقر عليه بهذا الشأن انه :-
إذا كان الحكم قد أورد صوراً متعارضة لكيفية وقوع الحادث واخذ بها جميعاً , فأن ذلك يدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة , الأمر الذي يجعله متخاذلاً متناقضاً مع بعض معيباً بالقصور 0
نقض 2/10/1967 –أحكام النقض س18ق178ص891
و قد قضت محكمه النقض فى العشرات من أحكامها بأن تناقض الشهود فى ذاته لا يعيب الحكم ، مادام قد استخلص من أقوالهم مالا تناقض فيه ، مما مفاده – بمفهوم المخالفه – أن قعود الحكم عن الإستخلاص من الأقوال بمالا تناقض فيه أو التعرض لرفع هذا التناقض ، يعيب الحكم بالقصور والتناقض .
نقض 20/11/80 – س 31 – ص 1018
نقض 5/11/80 – س 31 – ص 965
نقض 3/11/80 – س 31 – ص 950
نقض 27/10/80 – س 31- ص 917
نقض 12/10/80 – س 31 – ص 876
كما قضت محكمه النقض بأنه :-
” يستحيل مع تغاير وأختلاف وتباين وتناقض وتضارب وتهاتر كل صوره للواقعه فى كل موضع من مدونات الحكم عنه فى الموضعين الآخرين ، مما يشكل فى ذاته تهاتر وتناقض تتماحى به الأسباب ، فإن ذلك كله يكشف أيضاً عن قصور وأختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعه واضطراب عقيدته بشأنها بشكل يستحيل معه استخلاص مقومات الحكم ولا على أى أساس أقام قضاءه ويعجز محكمه النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح لاضطراب العناصر التى أوردها الحكم وإيراده أكثر من صوره للواقعه فضلاً عن القصور فى بيان مؤدى كل دليل على حدة بياناً كافيا ، مما يستحيل معه التعرف على أى أساس كونت المحكمه عقيدتها وحكمت فى الدعوى ”
نقض 9/1/1977 – س 28- 9 – 44
نقض 11/6/1985 – س 36 – 136 – 769
نقض 4/11/1982 – س 33- 174 – 847
وهذا الذى تردى فيه الحكم الطعين قد نشأ عن معاملته للمتهمين جميعا بما فيهم الطاعنين بأعتبارهم كتلة واحدة مسنداً إليهم منذ فجر الدعوى جرياً خلف ما قرره مجرى التحريات كافة الجرائم محل الاتهام وهو ما يخالف ضوابط التسبيب المتعارف عليه قانوناً إذ لا يعرف الإسناد الجنائى التعميم ، ولا غناء فيه عن التحديد ، ولا يعرف منطق معامله المتهمين ككتله ، ولا إقامة الأسناد ضد ” كتله ” بغير تحديد وتفريد.
فإذا ما تقرر ذلك وكان تصوير الحكم الطعين حول واقعة الدعوى المطروحة ينم دون جدال عن عدم استقرارها فى يقينه كتصور محدد المعالم من واقع ادلة الثبوت التى ساقها بمدونات قضائه هو أمر ينال من التصور برمته و يستحيل معه الوقوف على أى الأقوال التى حصلها الحكم الطعين يوافق الحقيقة التى أقتنع بها ومن ثم فإن الحكم يعد باطلاً لتضاربه بما يستوجب نقضه والإحالة .