القانون المدني – تقرير لجنة الشئون التشريعية
القانون رقم 131 لسنة 1948
الوقائع المصرية – العدد 108 مكرر أ – في 29 يوليه سنة 1948
بإصدار القانون المدني
النص النهائي
تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب
بجلسة 17 ديسمبر سنة 1945 أحال المجلس مشروع القانون المدني على لجنة الشئون التشريعية، وهو أضخم عمل تشريعي قدمته حكومة إلى البرلمان، ويفوق في أهميته كل ما عداه من الأعمال التشريعية لما له من أثر بالغ في الحياة العامة في تنظيم العلاقة بين الأفراد أو الجماعات. القانون المدني هو الدعامة الأولى لصرح العدل في البلاد. لذلك أولت اللجنة مشروع هذا القانون أكبر قسط من عنايتها، فشكلت من بين أعضائها ثلاث لجان فرعية لدراسته: تولت الأولى بحث الباب التمهيدي والالتزامات، وتولت الثانية بحث العقود المسماة، وتولت الثالثة بحث الحقوق العينية. وقد توافرت هذه اللجان الفرعية على دراسة ما وكل إليها بحثه، وعقدت لهذا الغرض عدة اجتماعات، ثم عرضت نتيجة عملها على اللجنة العامة التي والت اجتماعاتها حتى انتهت من بحث المشروع بأكمله، فأقرت بعض ما اقترحته اللجان الفرعية من تعديلات، كما أدخلت على المشروع تعديلات أخري.
وقد شهد اجتماعات اللجان الفرعية والعامة صاحب العزة عبده محرم بك مدير إدارة المحاكم الوطنية مندوبا عن وزارة العدل، فلاقت منه معاونة صادقة.
كما شهد هذه الاجتماعات حضرة صاحب السعادة الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا وزير المعارف العمومية السابق بصفته – في مبدأ الأمر – مندوباً عن وزارة العدل. وبعد استقالة الوزارة السابقة دعته اللجنة لمعاونتها طبقاً للمادة 61 من اللائحة الداخلية، فهو الذي تابع المشروع في جميع مراحله، ثم رأس اللجنة الوزارية التي شكلت من رجال القضاء والفقه والمحاماة لمراجعته. وقد تطوع سعادته فلبى دعوة اللجنة، وكان لإحاطته بدقائق المشروع وتفاصيله ما يسر لها العمل.
واللجنة لا يسعها إلا إبداء الشكر وعظيم التقدير لسعادة الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، ولحضرات أعضاء اللجنة الوزارية لما أبدوه من خدمة جليلة. وتأمل أن يشاركها المجلس رأيها بعد أن يطلع على هذا المشروع.
كما تنوه اللجنة بالمجهود الصادق الذي بذله حضرات الأساتذة سكرتير لجنة الشئون التشريعية الموظف، ومن يعاونه من الموظفين الفنيين، فقد كانت خبرتهم وصادق عزمهم ودؤوبهم على العمل خير معوان يسر على اللجنة عملها، ومكنها من الفراغ منه في وقت معقول.
واللجنة: وهي لم تدخر جهداً ولم تقتصد وقتاً في بحث مشروع هذا القانون بحثاً شاملاً مستفيضاً – ترجو أن تكون قد وفقت إلى أداء مهمتها على الوجه الذي يتناسب مع ما لهذا المشروع من خطر، والبرلمان – من جانبه – إذ يوافق عليه، يكون قد أتم عملاً إنشائياً جليلاً يعد مفخرة للحياة النيابية.
وتلخص اللجنة بحثها فيما يلي:
1- حاجة القانون إلى التنقيح الشامل
وضع القانون المدني الحالي سنة 1883 باللغة الفرنسية ثم ترجم إلى اللغة العربية ترجمة لم تسلم من الأخطاء وقد جاء في معظم أجزائه صورة مقتضبة مشوهة من القانون الفرنسي الذي أصبح هو ذاته قانوناً عتيقاً في حاجة ماسة إلى تنقيح شامل. وقانوننا المدني – في اقتضابه وغموضه، مما دعا الكثيرين من رجال القانون إلى توجيه النقد إليه معددين أخطاءه – لم يعد يجاري تقدم العمران في مختلف نواحيه واتساع المعاملات بين الناس. لذلك ازداد قصوراً فوق قصوره، عن مسايرة مقتضيات العصر الحاضر.
وأصبح رجل القانون يسبح في بحر خضم من نصوص غامضة، وأحكام قضائية مطرد بعضها متنافر بعضها الآخر، وتفسيرات متفقة أحياناً متجافية أحياناً أخرى، فهو تارة يستوحي مواد القانون الغامضة ويستقرئها، وتارة أخرى يولي نظره شطر أحكام القضاء يستلهمها ويسترشدها – ما استقر عليه الرأي منها وما تشعبت الآراء فيه – وطوراً يرجع إلى المعجمات الفرنسية ومؤلفات الشراح من رجال الفقه المصريين وغيرهم مستقصياً باحثاً. وبقدر كثرة المفسرين وتعدد الآراء التي يذهب إليها كل منهم، تتشعب الآراء فيضل الباحث فيما احتوتها من مجلدات.
لهذا أصبحت الحاجة ملحة إلى وضع قانوني مدني شامل، يساير تطورات العصر الحديث، ويضع حداً لهذه المعميات ويسد النقص فينير السبيل للمشتغلين بالقانون ويبسط الأمر على الخاضعين له. يؤيد هذه الضرورة ويؤكدها أن مصر في الوقت الحاضر قد غمرتها موجة من النشاط التشريعي الواسع النطاق. أقرب ما تكون إلى ما غمرها من نشاط عقب إنشاء المحاكم المختلطة والمحاكم الوطنية. فهي تستقبل في هذا الوقت كما استقبلت في العهد الماضي تطوراً خطيراً في نظمها القضائية بعد أن زالت الامتيازات الأجنبية، وبعد أن أصبحت المحاكم المختلطة وشيكة الزوال. لذلك كان طبيعيا أن تبادر الحكومة إلى توحيد القوانين الأهلية والمختلطة بعد تنقيحها، وقد فعلت ذلك في القانون الجنائي وهي تفعله في قانون الإجراءات الجنائية وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية وفي القانون التجاري. وكان طبيعياً كذلك فوق هذا بل قبل كل هذا أن تبادر إلى تنقيح القانون المدني وتوحيده.
2- تبويب المشروع
بوب المشروع تبويبا منطقيا علميا يساير في الوقت ذاته الناحية العملية فجاء أحكم اتساقا وأوثق ارتباطا من تبويب القانون الحالي. صدر بباب تمهيدي – لا نظير له في القانون القائم – يتناول مصادر القانون وتطبيقه من حيث الزمان (مبدأ انعدام الأثر الرجعي للقانون) ومن حيث المكان (قواعد القانون الدولي الخاص أو قواعد تنازع القوانين) والشخصية الطبيعية والشخصية المعنوية والتقسيمات التي ترد على الأشياء والأموال.
ثم انقسم بعد ذلك إلى قسمين: أحدهما للالتزامات أو الحقوق الشخصية والآخر للحقوق العينية.
أما القسم الذي تناول الالتزامات فقد تفرع إلى كتابين: عرض الكتاب الأول منها للالتزام بوجه عام فتناول في أبواب متعاقبة مصادر الالتزام وآثاره والأوصاف التي ترد عليه وانتقاله من ذمة إلى أخرى ووجوه انقضائه وطرق إثباته. وعرض الكتاب الثاني للعقود المسماة فرتبها عقوداً ترد على الملكية وهي البيع والهبة والشركة والقرض والصلح، وعقوداً ترد على المنفعة وهي الإيجار والعارية، وعقوداً ترد على العمل وهي المقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة، وعقوداً احتمالية وهي الرهان وترتيب الدخل مدى الحياة والتأمين، وختمها بعقد الكفالة.
وتفرع القسم الذي تناول الحقوق العينية هو أيضاً إلى كتابين: أحدهما للحقوق العينية الأصلية وهي الملكية وما يتفرع عنها من حق الانتفاع وحق الحكر وحق القرار وحقوق الارتفاق، والكتاب الثاني للحقوق العينية التبعية وهي التأمينات العينية من رهن رسمي وحق اختصاص ورهن حيازة وحقوق امتياز.
3- مصادر المشروع
وقد استند المشروع إلى مصادر أربعة:
أولا- القانون المدني الحالي: فقد جاراه المشروع في كل ما يمكن مجاراته فيه.
فاستبقى من أحكامه كل ما كان صالحا للتطبيق مسايراً لحاجات العصر. ووضع من الأحكام ما دعت الضرورة إلى وضعه.
ثانيا: القضاء المصري: وقد توسع المشروع في الأخذ بأحكام ما استقر من هذا القضاء إذ هو خير معبر عن حاجات البلد. فقنن المشروع المبادئ التي قررها القضاء في الملكية الشائعة وقسمة المهايأة والحراسة والحكر وحقوق الارتفاق والتزامات الجوار والتعاقد بالمراسلة وتخفيض الشرط الجزائي وضمان العيوب الخفية في الإيجار والهبات والوصايا المستترة وانتقال حق الشفعة بالميراث وغير ذلك من المسائل الهامة المتناثرة في جميع نواحي المشروع.
ثالثا: التقنينات المدنية الحديثة: ففي الفجر الأول للقرن التاسع عشر بدأت حركة واسعة في التقنين المدني، كانت باكورتها وضع القانون الفرنسي (قانون نابليون) وأعقبته تقنينات أخرى لاتينية نسجت على غراره في ذلك القرن. ثم تجددت حركة التقنين اللاتيني في القرن العشرين وتطورت، وكانت خلاصتها المشروع الفرنسي الإيطالي الذي أعدته لجنة مشتركة قبيل الحرب العالمية الأخيرة. وأخذت حركة التقنين الجرمانية تساير عن قرب هذه الحركة اللاتينية، فبدأت بالقانون المدني النمساوي في سنة 1812 ثم نقح في سنة 1916، وتلاه التقنين السويسري، فالألماني. فلما نهضت بلاد أخرى لوضع تقنينات مدنية أو تعديل ما لديها استهدت بهدى التشريعات اللاتينية والجرمانية متخيرة أفضل النصوص والأحكام تبعا لظروف كل بلد. وقد احتذى مشروعنا المصري حذو هذه التقنينات المتخيرة فاقتبس منها زبدتها، مراعيا في ذلك عرف البلاد وما ألفته من قواعد للمعاملات.
رابعاً: الشريعة الإسلامية: وقد استمد المشروع كثيراً من نظرياتها العامة وكثيراً من أحكامها التفصيلية. فمن أهم ما اقتبسه من النظريات العامة النزعة المادية أو الموضوعية التي تميز الفقه الإسلامي ونظرية التعسف في استعمال الحق ومسئولية عديم التمييز وحوالة الدين ومبدأ الحوادث غير المتوقعة. واقتبس كثيراً من الأحكام التفصيلية، منها مجلس العقد وإيجار الوقف وإيجار الأراضي الزراعية وهلاك الزرع في العين المؤجرة وفسخ الإيجار بالعذر ووقوع الإبراء من الدين بإرادة منفردة، هذا إلى مسائل أخرى كثيرة سبق أن اقتبسها القانون المدني الحالي من الشريعة الإسلامية وجاراه المشروع في ذلك، كتصرفات المريض مرض الموت والغبن وخيار الرؤية وتبعة الهلاك في البيع وغرس الأشجار في العين المؤجرة والأحكام المتعلقة بالعلو والسفل والحائط المشترك ومدة التقادم. أما الأهلية والهبة والشفعة، وأما المبدأ القاضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين فهذه كلها موضوعات على جانب كبير من الأهمية وقد أخذت برمتها من الشريعة الإسلامية.
يضاف إلى كل ذلك تجديد خطير استحدثه المشروع إذ جعل الشريعة الإسلامية أساساً للقضاء إذا لم يجد القاضي نصاً تشريعياً أو عرفاً يمكن تطبيقه.
4- أهم ما استحدثه المشروع من وجوه التنقيح
ونجمل هنا أهم وجوه التنقيح التي استحدثها المشروع:
(أ) فهو قد استوفى موضوعات هي في القانون الحالي شديدة الاقتضاب على أهميتها. من ذلك القواعد المتعلقة بتكوين العقد والدعوى البوليصية والاشتراط لمصلحة الغير. والمسئولية التعاقدية والمسئولية التقصيرية وآثار الالتزام وعقد الهبة والحراسة والملكية الشائعة وملكية طبقات المنزل ورهن الحيازة وحق الاختصاص.
(ب) ورسم الخطوط الرئيسية لموضوعات هي في التقنين الحالي متناثرة في جميع نواحيها دون ترتيب أو تنسيق، فجمع المشروع بين أطرافها وعرضها جملة واحدة بحيث يتكشف ما بين أجزائها من صلات وما يربطها جميعاً من وحدة في النظر. من ذلك موضوع الحيازة وحقوق الارتفاق وحقوق الامتياز والحق في الحبس والدفع بعدم تنفيذ العقد والنيابة في التعاقد.
(ج) وأوجد من الموضوعات الجديدة ما كان ينقص القانون الحالي أشد النقص من ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين والشخصية المعنوية والمؤسسات وحوالة الدين والتزام المرافق العامة وعقد العمل وعقد التأمين والحكر وإيجار الوقف. هذا إلى موضوعين جديدين هما أهم ما استحدثه المشروع من الموضوعات وهما تنظيم الإعسار وتصفية التركات.
5- أهم التعديلات التي أدخلتها اللجنة على المشروع
ولما كانت المذكرة التفسيرية للمشروع مسهبة وافية وقد عرضت للاتجاهات العامة التي رسمت للمشروع وتناولت أبوابه بالتفسير والتعليق باباً باباً، فنحن نحيل على هذه المذكرة ونكتفي هنا بذكر أهم ما أدخلته اللجنة من التعديلات على المشروع وما رأت أن تسجل من تفسير لبعض النصوص.
بدء سريان القانون: نص قانون الإصدار على العمل بالقانون المدني اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1946 وقد رأت اللجنة أن يعمل به بعد ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وذلك حتى تكون هناك – بعد بحث مجلسي البرلمان للمشروع وإصداره – فسحة من الوقت لدى المشتغلين بالقانون لدراسته دراسة وافية.
ولا يسع اللجنة، وهي تختم تقريرها إلا أن تسجل الكلمة القيمة التي أدلى بها مندوب الحكومة بعد الانتهاء من بحث المشروع وهي:
((أن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أخذت منها. ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطبيق والتطور، فإن هذا حتى لو كان ممكناً، لا يكون مرغوباً فيه.
فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيها، ويحيا حياة قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالا تاما عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه، أيا كان هذا المصدر.
وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل. ولكل من القضاء والفقه، بل على كل منهما، عند تطبيق النص أو تفسيره، أن يعتبر هذا النص قائما بذاته، منفصلا عن مصدره، فيطبقه أو يفسره تبعا لما تقتضيه المصلحة، ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد، وتساير مقتضيات العدالة. وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم الحياة القومية، وتثبت ذاتيتها، ويتأكد استقلالها ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي، يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي ما يجعل أثرهما ملحوظا في التطور العالمي للقانون)).
وترحب هذه اللجنة بهذه الفرصة الطيبة التي ستتاح للقضاء والفقه في مصر، عند تطبيق هذه النصوص وتفسيرها، في أن يجدا المكان الفسيح للاجتهاد والاستنباط، بعد أن انفك عنهما غل القيد بمتابعة قانون واحد معين في نصوصه التشريعية وفي قضائه وفقهه، بل بعد أن أصبح في حل، وقد انفصلت النصوص عن مصادرها، من التقيد بمتابعة أي قانون معين. فخرجا بذلك من باب التقليد الضيق إلى ميدان الاجتهاد الفسيح.
وفيما يلي مشروع القانون أصلا وتعديلا.
مناقشات المجلس (1)
الرئيس: هل توافقون على عدم تلاوة التقرير اكتفاء بإثباته في المضبطة؟
(موافقة عامة)
الرئيس: لم يطلب أحد الكلام في المشروع من حيث المبدأ، فهل توافقون على الانتقال إلى مناقشة المواد؟
(موافقة عامة)