دفع بعدم دستوريه القانون 6 لسنه 1998 الخاص باستعراض قوه و تنويح بالعنف
عدم دستورية القانون 6 لسنة 1998
لآنه يخالف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
يقضى القانون 6 لسنة 1998 بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبالوضع تحت مراقبة الشرطة مدة مماثلة ـ كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض (؟!) القوة أمام شخص أو التلويح (؟!) له بالعنف أو التهديد (؟1) باستعمال القوة أو الإفتراء عليه (؟!) … لترويع المجنى عليه أو تخويفه … أو إلحاق الأذى به بدنيا أو معنويا… متى كان ذلك من شأنه أن يكدر أمنه أو سكينته (؟!) … وتصل تلك العقوبة إلى الحبس ثلاث سنوات إذا كانت المجنى عليها أنثى 0
لقد وصفت النيابة العامة ـ فى مذكرتها وفى مرافعتها بجلسة 7/5/1998 ـ هذا القانون ـ الذى إمتدحته ؟!!! ـ بأنه يخالف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، ـ ولم تلتفت النيابة فى إطرائها هذا للقانون أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ” مبدأ دستورى ” ( م/66 دستور ) وأن مخالفته تشجب القانون بعدم الدستورية ؟!!!
وواضح من النص السالف الذكر أن تحديد الركن المادى لذلك التجريم فى القانون يشوبه الغموض ويفتقر إلى الضبط ويحتمل التأويل الواسع الفضفاض بلا ضابط حقيقى .. ـ إذ اعتبر الشارع إستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بالإفتراء بما يشين الحياة الخاصة من عناصر الأفعال المادية لتلك الجريمة بما ينطوى عليه ذلك من إطلاق وعموم .. فالإستعراض (؟!) تعبير مُبهم واسع فضفاض غير محدد .. وهو بعد لا ينطوى بذاته على فعل جنائى .. وكذلك ” التلويح ” و ” التهديد ” و ” الإفتراء ” .. ودخول ” الروع ” فى نفس شخص ما مسألة نسبية جداً واسعة هى الأخرى وفضفاضة جداً ؟!!! ـ .. وتكدر الأمن ، أو السكينة .. ـ تعبير مُبهم عام غير محدد .. ونسبى أيضاً يختلف من شخص لآخر .. فقد يتكدر شخص مما لا يتكدر به آخرون ـ وقد لا يتكدر شخص مما يكدر غيره .. فقد يحلو لشخص ما أن يتكدر ؟!! لأنه مصاب فى نفس بعلل وأمراض وأسقام ؟!! .. ” والكدر ” نفسه تعبير مبُهم غامض لا ينطوى على عدوان على نفس المتكدر أو بدنه أو ماله .. وإطلاق التجريم على هذا النحو يفتح باباً واسعاً هائل الإتساع .. فضفاضاً هائل الفضفضة .. لا يستطيع أحد أن يضع له ضوابط محددة مُحكمة على ما جرى وتجرى به الأمور فى التأثيم الجنائى ؟!!!
ومن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن سلطة المشرع فى التجريم محكومة بقواعد الدستور ومنها ألاّ يكون أمر التجريم فرطاً …. وهو ما يتحقق كلما كان النص العقابى محملاً بأكثر من معنى … مرهقا بأغلال تعدد تأويلاته … مرِناً متميعاً مترهلاً على ضوء الصيغة التى افرغ فيها ، واستلزمت المحكمة الدستورية العليا أن يكون النص العقابى قاطعاً لايؤذن بتداخل معانيه أو تشابكها كيلا تنداح دائرة التجريم وتظل دوما فى إطار الدائرة التى يكفل الدستور فى نطاقها قواعد الحرية المنظمة 0
ولأن غموض القوانين الجنائية مرتبط بإساءة إستعمال السلطة 0
ولهذا كان أمراً مقضياً ـ فيما قالت المحكمة الدستورية العليا ـ أن يركن المشرع إلى مناهج فى الصياغة لا تنزلق إلى تلك العبارات المرنة أو الغامضة أو المتميعه المحملة باكثر من معنى ، ـ مما يخل بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة / 67 من الدستور 0
* وفى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/1/1993 فى الدعوى رقم/3 لسنة 10ق دستورية تقول المحكمة : ـ
” وحيث أنه من المقرر لكل جزاء فيه أثر مباشر يرتد إلى طبيعته ، ويتمثل فى أن الشخص من حقه فى الحياة أو من حريته أو ملكه ، ولقد كان هذا الجزاء وأطوار قائمة فى التاريخ أداة طيعه للقهر والطغيان ، محققاً للسلطة المستبدة أطماعها ومبتعداً بالعقوبة عن أغراضها الإجتماعية ، وكان منطقياً وضرورياً أن تعمل الدول المتمدنة على أن تقيم تشريعاتها الجزائية وفق اسس ثابتة تكفل بذاتها إنتهاج الوسائل القانونية السليمة فى جوانبها الموضوعية والأجرائية ، لضمان ألاً تكون العقوبة أداة قامعة للحرية ، وكان لازماً فى مجال دعم هذا الإتجاه وتثبيته ـ أن تقرر الدساتير المعاصرة القيود التى إرتآتها على سلطان المشرع فى مجال التجريم تعبيراً عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها فى غير ضرورة تمليها مصلحة إجتماعية لها إعتبارها ، وإعترافاً منها بأن الحرية فى أبعادها الكاملة لا تنفصل عن حرمة الحياة وأن الحقائق المريرة التى عاشتها البشرية على إمتداد مراحل تطورها ، تفرض نظاماً متكاملاً يكفل للجماعة مصالحها الحيوية ، ويصون فى إطار أهدافه حقوق الفرد وحرياته الأساسية بما يحول دون إساءة إستخدام العقوبة تشويهاً لأغراضها ، وقد تحقق ذلك بوجه خاص من خلال ضوابط صارمة ومقاييس أكثر إحكاماً لتحديد ماهية الأفعال المنهى عن إرتكابها ، بما يزيل غموضها ، وعلى نحو يجرد المحكمة من السلطة التقديرية التى تقرر بها قيام جريمة أو فرض عقوبة بغير نص ، كى تظل المصلحة الإجتماعية فى مدارجها العليا قيداً على السلطة التشريعية تحرياً للشرعية فى أبعادها الكاملة وإستشراقاً للعدالة فى أعماق منابتها 0
وحيث أن الدستور ـ فى إتجاهه التى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها ، والتقيد بمناهجها التقدمية ، نص فى المادة (66) منه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلاً بناءً على قانون ، ولا عقاب إلاً على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها ، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل أساساً فى فعل أو إمتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى ، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى إبتداءً فى واجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على إرتكابه ، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبياً ” 0
” ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى ”
” وحيث أنه فضلاً عما تقدم ، فإن الأصل وفقاً لنص المادة (66) من الدستور هو أن يكون لكل جريمة عقوبة محددة ينص القانون عليها فى صلبه ، أو تتقرر على الأقل وفقاً للحدود التى بينتها ، كذلك فإن من القواعد المبدئية التى يتطلبها الدستور فى القوانين الجزائية ، أن تكون درجة اليقين التى تنتظم أحكامها فى أعلى مستوياتها ، وأظهر فى هذه القوانين منها فى أية تشريعات أخرى ، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً ، ويتعين بالتالى ضماناً لهذه الحرية ـ أن تكون الأفعال التى تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون إلتباسها بغيرها ، وبمراعاة أن تكون دوماً جلية واضحة فى بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، ذلك أن التجهيل بها أو إبهامها فى بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التى يتيعن عليهم تجنبها ، كذلك فإن غموض مضمون النص العقابى مؤداه أن يحال بين محكمة الموضوع ، وبين أعمال قواعد منضبطة تعين لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا خفاء فيه ، وهى قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه ، ذلك أن الغاية التى يتوخاها الدستور هى أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته فى إطار من الضوابط التى قيدها بها ، ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التى تفرضها القوانين الجزائية ، محددة بصورة يقينية لأنها تدعو المخاطبين بها إلى الإمتثال لها كى يدافعوا عن حقهم فى الحياةوكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة ، ولقد كان غموض القوانين الجزائية مرتبطاً من الناحية التاريخية بإساءة إستخدام السلطة ، وكان أمراً مقضياً أن يركن المشرع إلى مناهج جديدة فى الصياغة لا تنزلق إلى تلك التعبيرات المرنة أو الغامضة أو المتميعة المحملة بأكثر من معنى والتى تنداح معها دائرة التجريم بما يوقع محكمة الموضوع فى محاذير واضحة قد تنتهى بها ، فى مجال تطبيقها للنصوص العقابية الى إبتداع جرائم لا يكون المشرع قد قصد حقيقة إلى إنشائها ، وإلى مجاوزة الحدود التى إعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التى كفلها ، وهو ما يخل فى النهاية بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة (67) من الدستور ، والتى عرفتها هذه المحكمة بأنها تعكس نظاماً متكامل الملامح يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه وحرياته الأساسية ، ويحول ضماناته دون إساءة إستخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها 0
وحيث أنه لما تقدم ، وكانت خاصية الوضوح واليقين فى القوانين الجزائية غايتها ضمان الحرية الفردية فى مواجهة التحكم إنطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية لضمان أن تباشر كل دولة السلطة المخولة لها فى مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الإجتماعى بمراعاة الأغراض النهائية للقوانين العقابية ينافيها أن تكون إرادة المتهم هدفاً مقصوداً بذاته ، متى كان ذلك فإن إنتفاء الغموض فى هذه القوانين يقع فى نطاق مجموعة القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التى لا يجوز التنازل عنها أو الإنتقاص منها ” 0
( منشور بالموسوعة الشاملة لأحكام المحكمة الدستورية العليا ـ
المستشار عبد المنعم الشربينى ـ الجزء/3 ـ رقم 22 ـ ص 302 وما بعدها )
ولا شك أن عبارات إٍستعراض القوة … والتلويح بالعنف … أو التهديد باستعمال القوة أو الإفتراء بقصد ترويع المجنى عليه أو تخويفه … أو إلحاق الأذى به بدنيا أو معنويا .. أو تكدير أمنه أو سكينته التى نهض بها التجريم فى القانون 6 لسنة 1998 ـ مما يدخل فى نطاق العبارات التى يشوبها الإتساع الهائل والتمييع والإلتباس والغموض المطلق والإبهام التام 0
كما جاءت كذلك على نحو يشوبه التجهيل والتعميم وعدم التحديد المنضبط مما يحول بين المحاكم وبين تحديد الأعمال التى تبين وتحدد للجريمة أركانها . ـ ومما يجعل التطبيق مرتبطاً بمعايير شخصية قد تخالطها الأهوء . بما يعرض نصوص التجريم للإلتواء بها والتحريف لها لتنال من الأبرياء 0
هذا إلى أن النص يفتقر إلى الحد الأدنى من الأسس اللازمة لضبطه والتى تحول بين القائمين على تنفيذه وإطلاق العنان لنزواتهم أو سوء تقديرهم 0
ومن الملاحظ كذلك :
أن الشارع ضاعف العقوبة عن هذه الجريمة ” المطاطة ” ” الفضفاضة ” بحيث قد تصل إلى الحبس لمدة خمس سنوات مع الوضع تحت مراقبة الشرطة لمدة مماثلة لمجرد إستعراض (؟!) القوة والتهديد (؟!) باستعمالها والتلويح (؟!) بها ، ـ وهو ماينطوى على مغالاة ظاهرة فى فرض العقاب تصل بالتغليظ العقابى إلى حد هائل مشتط من القسوة ينحدر بالتشريع إلى حد الإنحراف ويتنافى مع ماهو مقرر فى فقة نظرية العقوبة بأن لايغلو المشرع فى العقاب ولايركب متن الشطط فى تقديره 0، ـ وإنما عليه أن يتخير من العقوبات مايكون على وجه اللزوم ضروريا لمواجهة الجريمة ومايترتب على إقترافها من آثار ـ ومافيه من ألم وضرر يكفى لردع الجانى وزجرغيره من أعضاء المجتمع ممن تسوله نفسه أن يقوم بذات فعله أو يأتى نفس صنيعه ومن هنا تكون ضوابط العقاب مادية وموضوعية ويعتبر بالتالى كل تجاوز لهذه الضوابط تزيداً واستبدادا ينبغى دفعه 0
( قانون العقوبات للدكتور محمد زكى أبو عامر ـ القسم العام ـ ص 454 ـ طبعة 1993 )
وليس أدل على ذلك من أن المقارنة بين العقوبات المنصوص عليها فى النص المستحدث لجرائم الترويع والتخويف وسائر العقوبات الأخرى للجرائم الأشد منها يُظهر المقارفة المعيبة الخلل وعدم التناسب الذى لايمكن تقبله عقلاً ومنطقاً ، ـ حيث تصل العقوبات المستحدثة إلى الحبس لمدة خمس سنوات والوضع تحت المراقبة مدة مماثلة فى حين أن عقوبة الضرب ( الفعلى ) البسيط لا تتجاوز الحبس الذى لاتريد مدته على سنة أو الغرامة التى لاتقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتى جنيه ( مادة 242/1 عقوبات )
وعقوبة الضرب ( الفعلى ) الذى تزيد مدة العجز عن الأعمال الشخصية الناجم عنه على عشرين يوما لا يتجاوز الحبس لمدة سنتين أو الغرامة التى لا تقل عن عشرين جنيها ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه ( مادة / 241/1 عقوبات ) 0 ، ـ وعقوبة التعدى الفعلى بالإهانة على الموظف العام أثناء تأدية وظيفته الحبس الذى لاتزيد مدته عن ستة اشهر أو الغرامة التى لا تجاوز مائتى جنيه ( المادة 133/1عقوبات ) 0
وإذا وقعت الإهانة على محكمة قضائية أو إدارية كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لاتجاوز خمسمائة جنيه 0
وعقوبة التعدى على الموظف العام وإحداث إصابات به هى الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تجاوز مائتى جنيه ، ـ والأمثلة لايحصيها حصر فى قانون العقوبات 0 وهو مايؤكد طابع القسوة غير المبررة الذى يظهر بوضوح فى نص القانون 6/1981السالف الذكر بحيث يمكن القول بأنه تجاوز أهداف العقوبة المناسبة لتحقيق الزجر والردع بالإضافة إلى عدم إتساقه وانعدام تجانسه مع باقى العقوبات عن الجرائم الأخرى الأشد . وهو مايصمه بعدم الدستورية بما يحق معه للمحكمة الأمر بوقف الدعوى الماثلة وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى عدم دستورية القانون 6/1998 تطبيقاً للمادة / 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا 48 لسنة 1979 0
* مدونات المتهم المستأنف ذاته ـ فضلاً عن إقرار النيابة
تقر بعدم دستورية القانون 6 / 1981
بل أنه يلفت النظر أن ما ورد بمدونات أسباب الحكم المستأنف ذاته ( ص 3 ) هو فى واقعه تأكيد واضح لعدم دستورية القانون 6 لسنة 1998 حيث قالت المحكمة مانصه :
” جاء هذا القانون مغايرا لما جرت عليه القوانين من إحكام وتحديد الوقائع المجرمة على وجه القطع والتحديد …. ”
وهو مايفيد أن محكمة أول درجة قد رأت محقه أن نصوص القانون 6 / 1998 جاءت بالفعل مجافية للقواعد الدستورية التى تحكم القوانين العقابية والتى يلزم أن تكون محددة للأفعال المادية المكونة للجريمة تحديدا واضحاً غير متميع أو متعدد المعانى محكماً لاتشوبه المرونة التى تجرده من التحديد والإنضباط 0
ولهذا يلتمس الدفاع الإستجابة إلى طلبه إحالة الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة العليا للفصل فيه ووقف الدعوى حتى يفصل فى هذا الدفع 0